الثلاثاء، 28 يناير 2014

التربية و الثقافة المسيحية

إن الثقافة في حقيقتها هي الصورة الحية للأمة , هي التي تحدد ملامح شخصيتها و قوام و جودها . هي التي تضبط سيرها في الحياة , و تحدد اتجاها فيها , إنها عقيدتها التي تؤمن بها و مبادئها التي تحرص عليها , و نظمها التي تعمل على اتزانها . و تراثها الذي تخش عليه من الضياع و الاندثار , و فكرها الذي تود له الانتشار .
فالثقافة ممارسة وسلوك وقد عرفها رالف لنتون " الثقافة هي تشكيل السلوك المكتسب و لنتائج السلوك التي يشترك في مكوناتها أعضاء مجتمع معين و ينقلونها ."وهناك الكثير من التعاريف للعلماء و يمكن اجمالها بالتعريف التالي :
الثقافة هي : مجموعة الأفكار ,و القيم ,و المعتقدات ,و التقاليد , و العادات, و الاخلاق, و النظم , و المهارات , وطرق التفكير , و اسلوب الحياة , و العرف , و الفن , و النحت , و التصوير , و الرقص الشعبي , و الأدب , و الرواية ,
و الأساطير, والفلسفة , والتاريخ , ووسائل الاتصال و الانتقال , و كل ما صنعته يد الانسان و أنتجه عقله من أشياء مادية و معنوية أو توارثه من الأجيال السابقة , أو أضافه الى تراثه نتيجة لعيشه في مجتمع معين . 


المؤسسة التربوية كعامل من عوامل التثقيف:
لا بد للجيل الناشئ في كل ثقافة من الالمام بالعناصر الثقافية كالمعتقدات و القيم و الانماط السلوكية التي يعيشها أهله وأفراد المجتمع من حوله , و يمكن أن تسمى عملية الإلمام هذه " بالتثقيف " فمنذ أن يولد الطفل و حتى يصبح راشدا و هو يتعلم و يحاول الاحاطة بالعناصر الثقافية التي تحيط به مما حد بالمربين اعتبار العملية التربوية عملية مستمرة ما دام الإنسان حي .

و الإنسان يتعلم محتوى و معطيات ثقافته بطريقتين مهمتين :
الاولى: بواسطة الحياة مع العائلة .
و الثانية : عن طريق المدرسة و المناهج المنظمة و المربين المختصين

الاسرة المسيحية والثقافة :
الاسرة هي جماعة اشخاص , هي أول مجتمع بشري , هي شركة دائمة , هي مهد الحياة و الحب و هي ايضا مصدر ثقافة , هي بمثابة مدرسة انسانية . فعندما يعمل البؤس المادي و الثقافي و الاخلاقي على نسف مؤسسة الزواج نفسها ويهدد بنضوب ينابيع الحياة تبقى الاسرة هي المكان المميز لتنشئة الفرد و المجتمع . ووسط هذه التحديات تمسي التربية مهمة شاقة , كما يمسي من الصعب نقل ثقافة شعبية مستوحاة من الانجيل. ومن هنا فأن الاسرة مدعوة الى النهوض بواجبها التربوي في الكنيسة , مساهمة بذلك في حياة الكنيسة و رسالتها . إن التربية الدينية و تعليم الأولاد الديانة يحدّدان موقع الاسرة في الكنيسة كعنصر فاعل للتبشير و الرسالة . فالاسرة المسيحية بصفتها " الكنيسة البيتية " هي مدرسة طبيعية و اساسية للتثقيف الايماني فالاب و الام يؤديان الشهادة أمام أولادهما , و ينقلان اليهم القيم الانسانية و الدينية معا .
إن حضارة الشعوب و ترابطها منوطان , بصفة خاصة بمستوى أُسراتها الانساني . والكنيسة مقتنعة كل الاقتناع بهذا الامر و هي تدرك ان مستقبل البشرية يمر عبر الاسرة.


المؤسسات التربوية الكاثوليكية و الثقافة :
اول موقع لتربية الانسان كما سبق و ذكر هي الاسرة , و لكن الاسرة في مواجهتها لشتى المصاعب لا تكفي لذلك . من هنا تزايد اهمية المؤسسات التربوية . في كثير من البلدان تعمل الكنيسة في أمانتها لراسلتها العريقة في التربية و التعليم , على تفعيل عدد من المؤسسات : رياض أطفال, مدارس , معاهد , جامعات , ومراكز بحوث . هذه المؤسسات الكاثوليكية مهمتها الخاصة أن تضع القيم الانجيلية في قلب الثقافة . فمن الضروري جدا اختيار مدرسين يكونون اهلا لأن يجعلوا من هذه المؤسسات نماء روحي و ثقافي . و أنه لمن الاهمية بمكان أن يتخذ البحث العلمي و التقني الذي يقوم به المؤمنون العلمانيون , من خدمة الانسان بكامل قيمه و متطلباته , مقياسا له. و تكل الكنيسة الى المؤمنين العلمانين مهمة جعل الرباط الوثيق بين الايمان و العلم و بين الانجيل و الثقافة البشرية , أقرب الى الفهم لدى الجميع


تثقيف المؤمنين العلمانين:
إن مثل الكرمة و الاغصان , الوارد في الانجيل , يكشف لنا عن وجه اساسي آخر لحياة المؤمنين العلمانين و رسالتهم إنه دعوة الى النمو , والاستمرار في النضوج , و المزيد من الاثمار ...... إن الله يتوجه الى الانسان الحر . داعيا إياه الى النمو و النضج و الاثمار , ولا يمكن الانسان إلا أن يضطلع مسؤليته . و يشير يسوع الى هذه المسؤولية الرهيبة و المثيرة معا بقوله :" إن كان أحد لا يثبت في , يطرح خارجا كالغصن فيجف , فيجمعونه و يطرحونه في النار فيحرق ( يو 15 :6) .
في إطار هذا الحوار بين الله الداعي و الشخص المدعو بصفته مسؤولا , تندرج إمكانية , بل ضرورة تثقيف المؤمنين العلمانين , تثقيفا كاملا و متواصلا .

وقد وصفوا أباء المجامع و الاساقفة التثقيف المسيحي بأنه " عملية شخصية متواصلة ترمي االى تحقيق النضج في الايمان و التشابه مع المسيح , طبقا لمشيئة الآب , و بإرشاد من الروح القدس ".
إن الهدف الاساسي من تثقيف المؤمنين العلمانيين هو اكتشاف لدعوتهم اللشخصية , يزداد كل يوم وضوحا , و استعداد يتعمق يوما بعد يوم , لعيش هذه الدعوة , عن طريق الاضطلاع برسالتهم الخاصة .
وقد برزت في مجال التثقيف ثوابت ضرورية و مخصبة الى حد كبير . أولها لا ثقافة حقيقية و مثمرة , إن لم يضطلع كل إنسان بمسؤولية تثقيفه الشخصي , ولم ينم هذه المسؤولية بنفسه , لأن كل ثقافة هي في الاساس هي ثقافة ذاتية .


التثقيف الذاتي و التربية الذاتية عند الشبيبة:
إن الاسرة و المؤسسات التربوية يبقى عملهما ناقصا إن لم يقم الشباب و الشابات , لايقوم بنفسه بتربية وتثقيف نفسه . فالعائلة و المؤسسات التربوية و الدينية توفر العناصر الاساسية للقيام بالتربية الذاتية .
يسوع عاش 30 سنة في البيت العائلي و كان ينمو بالقامة و الحكمة و النعمة :إن النمو" بالقامة" يعود الى ارتباط الانسان بالزمن : إن هذا النمو لكأنه مرحلة صاعدة في مسيرة الانسان كلها و يقابلها كل نضج النفس و الجسد :إنها مرحلة نمو كل القوى التي يتألف منها الانسان الفرد العادي. و من الضروري ان يقابل النمو " في الحكمة و النعمة ".
يجب إذا أن يكون الشباب " تقدما" او نموا يحمل معه تزايدا مطّردا لكل ما هو حق و خير وجمال .
فإنه من الضروري ان ننهل من الكتب كل ما هو نافع و غني يغني مسيرتنا الثقافية و الدينية. تمكننا من مواجهة التحديات الكثيرة و الكبيرة . يقول الرسول : " أيها الشبان انتم أقوياء " يجب فقط أن " تثبت كلمة الله فيكم " . فمن المهم أن نعي أن العمل الثقافي , الذي نحن في صدده , و الذي لا يستغني قطعيا عن اللجوء الى الوسائل و الاساليب المتبعة في نطاق العلوم البشرية , لا يؤتي ثمارا إلا بمقدار انفتاحنا على عمل الله . فمن كان كالغصن , الذي يستسلم للكرام الذي يقلمه , أتى بثمر كثير لنفسه و للأخرين .


الأخت خلود سويدان -الرهبنة المخلصية
المراجع :
• كتاب مدخل الى التربية, د ابراهيم ناصر , د عاطف بن طريف ,2009, دار الفكر.
• ارشاد رسولي : العلمانيون و المؤمنون بالمسيح للخبر الأعظم البابا يوحنا بولس الثاني .
• رسالة الى الاسر من البابا يوحنا بولس الثاني 1994.
• الرسالة الرسولية الى جميع شبان العالم للبابا يوحنا بولس الثاني في مناسبة سنة الشبيبة العالمية .
• من اجل راعوية ثقافية , المجلس الحبري للثقافة 1999.

0 التعليقات:

إرسال تعليق