الثلاثاء، 4 مارس 2014

من سيفصلنا عن محبة الله؟

ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا. فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلية.. ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا. (رو 8 : 35 ، 39)
قد يكون أصعب سؤال يواجهنا في الحياة... لماذا كل هذا يا رب؟
في هذه جميعها.. اضطهاد، ضيق، شدة، مشاكل، فشل، أمراض، فقر، أحزان بكل أشكالها، وحدة، اكتئاب، خسارة، ظلم، اهانات، وجع....
ما هذا؟ كيف؟ ولماذا؟
للإجابة على هذا السؤال الصعب فلنتخيله لغزا مركبا.. نفك أجزاؤه واحدة واحدة كما في لعبة تركيب الصور puzzle التي تتكون من قطعا مختلفة الأحجام والأشكال ولكنها تتكامل مع بعضها حتى تتضح الصورة مشرقة.
 
الجزء الأول من اللغز: لنستيقظ
ربما يكون المقصود من الضيق الذي تمر به هو أن تستيقظ من حالة الخطية التي أنت نائم ومستغرق فيها.. أحيانا تكون الخطية محبوبة فتستلذ بها..
وأحيانا قد لا تراها أو لا تريد أصلا أن تراها. فيكون غرض ربنا من الضيق أن ينبهك للخطية التي قد لا تشعر بها..
مريض بيت حسدا عانى 38 سنة من شلل بالإضافة إلى الوحدة الشديدة، وظلت الناس تتساءل لماذا يعاني هذا الرجل من كل هذا الذل؟ وكان هذا المرض فرصة ليستيقظ من خطيته، لذلك عندما شفاه السيد المسيح قال له ها أنت قد برئت فلا تخطئ أيضا لئلا يكون لك أشر (يو5: 14)
إذن ربما يكون الألم أو الوجع الذي تمر به هو إنذار و تنبيه لك بسبب خطية لا تريد أنت أن تنتبه لها أو تتوب عنها.
هناك كلمة جميلة لملحد من القرن العشرين أمن بالسيد المسيح هو د/ لويس c.s. lowis كتب يقول: الله يهمس لنا في أفراحنا، ويتكلم في ضمائرنا، إنما يرفع صوته عاليا في أوجاعنا لننتبه ونستيقظ.
أى أن الله يهمس في آذاننا بعطاياه وبركاته ليفرحنا ويدعونا، ويرفع صوته فيوخز ضمائرنا على عمل الخطية لعلنا نتوب، فإن لم يجدنا منتبهين يضطر أن يصيح بضيقة أو وجع لعلنا نسمع لننتبه فتكون ضربة العصا وألمها هي الوسيلة الوحيدة للإنتباه والإستيقاظ للتوبة.
لعلك رفضت يوما أن تستمع لصوت العطايا والمكافآت، ولم تنصت أياما لصوت وخز ضميرك، فلا مفر حينئذ من بعض الآلام والضيقات لعلك تستيقظ قبل أن تنتهي بك الأيام إلى موت أبدي.
وكأن الله يرانا نسير في طريق خطير سينتهي بحادثة محزنة فيصرخ.. حاسب.. ارجع..!
ليتك اصغيت لوصاياي فكان كنهر سلامك وبرك كلجج البحر (أش 48: 18 )
إن الصوت العالي يهز كيانك ويزعجك لكنه بالتأكيد أفضل كثيرا من الهلاك الأبدي. ربما يكون هذا الصوت العالي مرضا، أو انتقال أحد الأحباء وربما يكون السجن، أو الخسارة، أو الفشل، أو ...
تصور أن هناك عقربا أو حية تقترب إليك وأنت نائم.. ثم رن صوت المنبه عاليا ليوقظك لميعاد شغلك.. هل تغضب من المنبه الذي لولاه لانتقلت من حالة النوم الأرضي إلى النوم الدائم..
ما أكثر الذين سيدخلون السماء ويكونون مدينين بذلك لآلامهم بعد آلام المسيح.. إن ملايين البشر سيصلون إلى السماء عن طريق آلامهم التي كانت السبب في بداية توبتهم وعلاقتهم بالله.
إن الناس المهتمين بحياة المال والمشغولين بحب الامتلاك لا يشفيهم من هذا الوباء القاتل إلا الألم... والناس المحبون لأنفسهم والأنانية طبعهم لا يخرجهم من دائرة ذواتهم لينشغلوا بالآخرين إلا الوجع الشديد.. والناس الذين تسيطر على حياتهم الشهوات الجسدية لا يطهرهم منها إلا ذل المرض.
 
هل معنى ذلك أن كل مرض سببه خطية؟؟!
لا.. ليس كل مرض أو ألم سببه خطية، إنما كل ألم هو دعوة لنستيقظ، دعوة للتوبة ودعوة للرجوع.
انها الأن ساعة لنستيقظ من النوم فإن خلاصنا الأن أقرب مما كان حين آمنا (رو 13: 11)
حتى في مجال الطب.. الألم نعمة وليس نقمة.. لأنه ينبه بوجود مرض ما.. فقد تنتشر الأورام في الجسم بدون ألم ولا يشعر بها الإنسان وعندما يكتشفها متأخر يكون الشفاء منها قد أصبح مستعصيا، لهذا قيل عنها أوراما خبيثة.. أما إذا شعر الإنسان بألم أو ربما بمجرد صداع مزعج فإن ذلك يكشف له عن مرض هام يمكن علاجه مبكرا.. فيشكر ربنا على الصداع لأنه أنقذه من مرض أخطر ربما كاد يهلك الجسد كله. هكذا الألم..!!
ربما يشير هذا الألم لمرض روحي وفي وقت مناسب نتمكن فيه من علاجه هنا.. وبالرغم من الوجع الذي قد يسببه هذا العلاج إلا أنه قطعا أفضل من الهلاك الأبدي هناك.
تقابلت ذات يوم مع سجين.. وفوجئت أنه كان شماسا خادما كنا نقيم قداسا للعيد للمساجين المسيحيين.. فتقدم إلى رجل في الستين من عمره تبدو عليه ملامح الطيبة والصدق.. وقال لي: هل ممكن ألبس شماس لو فيه تونية؟ أجبته.. طبعا ممكن.. ولكني تعجبت..!! ما الذي أتى بهذا الشماس لهذا المكان؟؟ فسألته؟؟
فقال لي: أنا شماس مواظب في الكنيسة لكني انشغلت في السنوات الأخيرة ببناء بيت أولادي.. أبعدني عن الكنيسة والمذبح.. وانشغلت بالعمال والبناء أكثر من أى شئ.. وأخطأت إذ وقعت على ورقة دون أن أدري جيدا محتواها فوجدت أحد العمال قد غدر بي وأكتبني إيصالا بمبلغ كبير.. لم استطيع سداده.. ولكني لست نادما مع إني ندمت.. فأنا لم افق من غفلتي.. ولم اكتشف انحرافي وانشغالي عن الله إلا في هذا المكان.. هنا في السجن أصلي سبع صلوات الإجبية واقرأ الإنجيل واردد صلاة يسوع.. وانتظر الشهور الباقية بكل شوق ولهفة لأخرج من حبسي وأخدم الله كما ينبغي..
 
إلهي الحنان
إلهي الحنان.. لا تتركني نائما غافلا للنهاية..
افعل بي ما تشاء لكن إلى الهلاك لا تسلمني..
أيقظني بصوتك الحاني أو حتى بوغزة من عصاك..
أغلق في وجهي كل باب مفتوح للشر وافتح أمامي الباب الضيق واسعا.. إجعلني لا أرى إلا الطريق الكرب المؤدي إلى الحياة واجعلني احبه وأمشي فيه راضيا شاكرا.
إلهي الطيب.. شكلني بيديك حسب إرادتك.. لا ترمي طينتي عنك أيها الفخاري الأعظم يائسا مني، لكن أعمل في ومن حولي لكي أتشكل كإناء للكرامة كما تشاء.. ادخلني فرن عنايتك واحرق مني كل الشوائب..
ساعدني كي أرى آلام الآخرين كما تراها أنت.. بعين الرحمة والحب والشركة.. هبني يا رب أن أثق فيك مهما حدث لي.. وأن أقبل من يدك كل ما يأتي على، مؤمنا أنك أنت أبي الذي يحبني وإلهي الذي لا يخطئ أبدا.

0 التعليقات:

إرسال تعليق