الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013

القدّيس العظيم في الشهداء جاورجيوس



ولد القديس جاورجيوس في بلاد الكبّادوك من أبوين مسيحيين شريفين، بعد وفاة والده انتقل هو وأمه إلى فلسطين (حيث كانت أمه في الأساس من هناك وكانت لها أملاك وافرة). كان القديس جاورجيوس قويّ البنية وتجند ثم ترقى وصار ضابطاً كبيراً، وبفضل جرأته وسيرته الحسنة نال حظوة لدى الإمبراطور ديوكلسيايوس وتبوّأ مراكز مرموقة. فلما حمل الإمبراطور على المسيحيين طرح جاورجيوس عن نفسه علامات الرفعة واعترض لدى الإمبراطور، فكان أن ألقوه للحال في السجن. وبعدما استجوبوه حاولوا استمالته وفشلوا فعذبوه تعذيباً شديداً، لا شيء زعزع إيمانه وتمسكه بالمسيح، وأخيراً استاقوه عبر المدينة وقطعوا رأسه.
القديس جاورجيوس من أبرز قديسي كنيسة السيد المسيح وأكثرهم شيوعاً في إكرام العامة من المؤمنين. هو إنسان عرف المسيح فتجند له وازدرى ما عداه، وزّع ماله على المساكين وألهب عقله بالغيرة الإلهية، غرس كرمة الإيمان وصار حرّاثاً صالحاً للثالوث القدّوس. أعرض عن الجسد بما أنه زائل واهتم بحكمة النفس العادمة الفساد، لما قبض عليه عليه مضطهدوه اعترف بالمسيح وتجلّد رافضاً الاشتراك في تقديم أضحية الضلالة لأنها دنسة، تقدم نحو الجهاد بعزم ثابت، تسلّح بالصليب الطاهر كترس، أقام الشوق بالإيمان وأقصى الخوف بالرجاء، أتم السعي وحفظ الإيمان، تألم مع المخلص وماثله في الموت بموته الاختياري، وقد حصل مشتركاً مع الفاقد التألم في آلامه وقيامته، تمتع بدرع الإيمان وخوذة النعمة ورمح الصليب، سلك بحسب اسمه فحرث الأرض المجدبة بالضلالة الشيطانية واستأصل أشواك مذهب الأوثان، تقدم نحو الجهاد بعزم ثابت، تمحّص بأنواع التعذيبات المختلفة كالذّهب المنقّى، لسان حاله كان "إني متجنّد للمسيح ملكي. فلا وحوش ولا بكرات ولا نار ولا سيف يقدر أن يفصلني عن محبة المسيح". كابد الجلدات والتجديدات والضرب بأعصاب البقر والسجن والطرح في الكلس وباقي التعذيبات والدولاب، التعذيبات الأليمة احتسبها بمنزلة نعيم، أحرق بالنار لأجل المسيح، قطع جسمه بجملته عضواً عضواً، وقد صلّبت المخاطر ومرّنت التعذيبات جسده الفاني بحسب الطبيعة والذي أذابته العقوبات المتنوعة، حربه لم تكن مع لحم ودم بل مع ضلالات عدوّ الخير. وقد عرقل العدوّ المغتصب وحطمه وانتصر على ضلالته، حصل بطلاً إلهياً وجندياً للملك العظيم، صار شهيداً وصديقاً خاصاً للمسيح، المحبة لديه غلبت الطبيعة وأقنعت العاشق بأن يصل إلى المعشوق بواسطة الموت، نال السماويات وتقبّل من الله إكليل الغلبة ولبس النور فأضحى انتصاره دافعاً "لتمجيد قيامة المخلص الرهيبة".

إن المؤمنين بتجديد تذكار جراحاته يستقون ينابيع الأشفية وإنه يتشفع بهم لدى المسيح الإله في كل المسكونة. وهو يحرس المؤمنين ويخلصهم إذا دعوه ويقدّس حياتهم، كما يطرد جسده من البشر كل سقم لأن المسيح يفيض به الأشفية للمؤمنين، وهو يمطر عليهم سيول العجائب الباهرة. وله من المكرمين له منزلة الحافظ الساهر، في إحدى قطع صلاة المساء للعيد يتوجه إليه المؤمنين بهذه الطلبة "أيها المغبوط جاورجيوس، أسألك أن تحفظني متى سافرت في البحر أو البرّ أو كنت هاجعاً في الليل، هبني ذهناً صاحياً، أرشدني إلى إتمام مشيئة الرب الإله، فأجد في يوم الدينونة الصفح عمّا اجترمته في حياتي، أنا الملتجئ إلى كنف وقايتك". وأيضاً نرتل له في الأودية السابعة من قانون السحر "أيها الشهيد إن اسمك العجيب يشاد به في كل الأرض لأنه لا يوجد بَرّ ولا بحر ولا مدينة ولا قفر إلا وتتدفق فيه، بالحقيقة، مجري عجائبك الغزيرة". يتّخذ المؤمنون اسمه أكثر من أي اسم آخر، وقد اعتادت الكنيسة على تسمية العديد من الكنائس باسمه منذ القرن الرابع الميلادي، فهناك العديد من الكنائس التي تحمل اسمه في جميع بلدان العالم.

أما أخبار عجائب القدّيس فعديدة نذكر منها هذه العجيبة التي أشار إليها عدد من إيقونات القدّيس جاورجيوس. فلقد ذكر أنه كان في جزية ميتيليني هيكل مجيد للقدّيس جاورجيوس كان الناس يتوافدون إليه، كل سنة، في عيد القدّيس، ليعبدوا ويتبرّكوا. فسمع بذلك العرب المسلمون، الذين في جزيرة كريت، فأغاروا على المكان، عند المساء، وقت السهرانة. وقد تمكّنوا من أسر عدد من المؤمنين المجتمعين هناك. هؤلاء استاقوهم إلى كريت غنيمة. بين الأسرى كان شاب حَدَث. هذا وهبه قائد المغيرين أمير الجزيرة فأقام عنده خادماً. فلما كان عيد القدّيس جاورجيوس، صنع والدا الشاب، في ميتيليني، كعادتهما في العيد. فلما انتهت الصلاة ألقت أمّ الشاب بنفسها على الأرض، في هيكل قدّيس الله، ورجته بدموع أن يعيد لها ابنها الأسير. وبعدما سكبت حسرة نفسها لديه عادت إلى بيتها وأصلحت مائدة العيد. فلما جلس الجميع إلى الطعام همّ الخدم بتقديم الخمر حدث أمر عجيب. فجأة ظهر الشاب الأمير وهو يقدّم كأس خمر لأمّه. يا لهول المفاجأة! ماذا حدث؟! كيف تمّ ذلك؟! بعدما هدأت المشاعر واستعاد الجميع شيئاً من روعهم علموا من الشاب أن القدّيس جاورجيوس جاء إليه وهو يقدّم الخمر لمخدومه الأمير، فأخذه وأركبه وراءه على حصانه، على الحال التي هو فيها، حاملا ًالإبريق والكأس. وإذا به فجأة بنعمة الله، في دار ذويه. هذه اللمحة عن الشاب راكباً وراء القدّيس جاورجيوس تبدو في العديد من الإيقونات التي تصوّره راكباً على حصانه.

ثمّة دراسات تبيّن أن رفات القدّيس جاورجيوس تتوزّع، في الوقت الحاضر، على أديرة وكنائس في أماكن شتّى في الشرق والغرب. في الغرب، قيل إن هامة القدّيس، أو بالأكثر جزءاً منها، جعلها البابا زخريا الرومي، في القرن الثامن الميلادي، في كنيسة القدّيس جاورجيوس فيلابرو، في رومية. أما الأماكن الأخرى التي قيل إن فيها أجزاء مختلفة من رفاته فهي اليونان وفلسطين وقبرص وكريت ومصر والعراق وكوريا وسواها. أكثر الموجود، فيما يبدو، في اليونان والجزر. حتى بعض دمه محتفظ به في دير ديونيسيو ودير زوغرافو في جبل آثوس. وقد قيل إن عظم كتفه قاعد في دير القدّيس جاورجيوس في ليماسول. لقد تم نقل رفاة القدّيس إلى فلسطين وتحديداً إلى مدينة اللد في القرن الرابع الميلادي أيام الإمبراطور قسطنطين الكبير من مدينة نيقوميذية، العاصمة الشرقية للإمبراطورية الرومانية، حيث استشهد فيها.

يوافق العيد الأساسي للقدّيس العظيم في الشهداء جاورجيوس يوم الثالث والعشرين من شهر نيسان من كل عام، وأيضاً تعيد له الكنيسة في اليوم الثالث من شهر تشرين الثاني في مناسبة تدشين كنيسة جميلة حملت اسمه في مدينة اللد في فلسطين وجرى نقل رفاة القدّيس إليها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق